ويهمُّني أن أنقل خلاصةً خلص إليها الشيخ فيصل في علاقة الفلسفة بالدين، حيث قال أكرمه الله تعالى: "ويمكن استعمال الفلسفة في أسلوب الدعوة الدينية في هذا المجال فقط أي مجال إثبات وجود الله بالعقل والعلم، وقد استعمل كثير من العلماء هذا الأسلوب واقتصروا عليه، كما استعمله بعضهم وتجاوزوه إلى سائر موضوعات الفلسفة فوقع في أخطاء شنيعة لأنه أدخل العقل فيما لا شأن له فيه".
وهذه النقطة هي ما يهمُّني بالتحديد في هذه المسألة، نعم من المهمِّ أن يكون في أمَّة الإسلام من يجيد لغة الكلام والمنطق والفلسفة ليقف سدًّا منيعاً أمام كلِّ من يحاول هدم بنياننا العظيم، واقتداءً بسلفه الصالح في وقفتهم المباركة "ابن تيمية، ابن القيِّم، الغزالي، الطحاوي..."، هذا أمرٌ هامٌّ ولا شكّ، ولكن هل على الأمِّة كلِّها أن تقوم بذلك؟ وهل المطلوب من الأمَّة بأسرها أن تعرف من هم الجهميَّة، وماذا فعل المعطِّلة، وبماذا اختلف المعتزلة مع أهل السنَّة والجماعة؟
أحياناً كثيرةً ننسى لماذا وُجِدت العقيدة؟ وكيف يكون حبُّ الله ورسوله؟
وُجِدت العقيدة كي تربطنا بربنا سبحانه، وكي تكون زاداً يعصمنا في حياتنا، وكي تكون قوةً دافعةً إلى العمل لهذا الدين والتضحية في سبيله كما فعل رسولنا صلى الله عليه وسلم، وكما أراده صلى الله عليه وسلم منَّا نحن المسلمين، ولهذا سمِّي ديننا بالإسلام.. إنَّه إسلام النفس إلى خالقها.. إسلامها إلى واجبها.. إلى تبعاتها المناطة بها.. إلى رسالتها التي عليها أن تحملها.. كأنَّ المسلم ينكر ذاته –كما فعل قبله معلِّمه صلى الله عليه وسلم– فيسلمها إلى الإنسانيَّة تصرُّفها وتهتدي وتقتدي بها، فلا حظَّ له هو من نفسه ولكن للإنسانيَّة كلِّها الحظّ.
ورحم الله المفكِّر المسلم محمَّد إقبال ما أبدع مقولته: "العقيدة كانت نوراً للأنام، فغدت علماً للكلام".
فلنعدها نوراً للأنام، وليذد عنَّا أهل علم الكلام الثقات في ما يعرضه المتفلسفون من شبهات.
السؤال الثاني عن محبَّة الله تعالى للعبد، أذكر فيها التالي:
1- كلماتٍ كنت كتبتها في هذا الموضوع:
"أفكِّر دائماً في حبِّ ربِّنا تعالى لنا، وعطائه رغم عدم احتياجه لنا، وبعدنا عنه رغم حاجتنا إليه..
"وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما تردَّدت عن شيءٍ أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته"رواه البخاري.
"أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم، وإن تقرَّب إليَّ شبراً تقرَّبت إليه ذراعا، وإن تقرَّب إلي ذراعاً تقرَّبت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة"متَّفقٌ عليه.
"لله أشدُّ فرحاً بتوبة عبده، حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيِس منها، فأتى شجرة، فاضطَّجع في ظلِّها، قد أيِس من راحلته، فبينَّا هو كذلك، إذا هو بها قائمةٌ عنده، فأخذ بخطامها، ثمَّ قال من شدَّة الفرح: اللهمَّ، أنت عبدي وأنا ربُّك، أخطأ من شدَّة الفرح"رواه مسلم.
ليس هذا فقط.. بل أعطى العبدَ كلَّ وسائل الحماية ومفاتيح الخير، وكلَّما زاد العبد كان الله تعالى أكثر وأطيب.
"أليس الله بكافٍ عبده ويخوِّفونك بالذين من دونه".
"ما من مسلمٍ يدعو الله عزَّ وجلَّ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إمَّا أن يعجِّل له دعوته، وإمَّا أن يؤخِّرها له في الآخرة، وإمَّا أن يصرف عنه من السوء مثلها"، قالوا: إذن نكثر، قال: "الله أكثر وأطيب"رواه أحمد والطبرانيُّ والبزَّار، بسندٍ صحيح.
بل حتى في المصائب لم يتركنا فيها ربُّنا تعالى دون أجرٍ أو مثوبة:
"ما يصيب المؤمن من وصب، ولا نصب، ولا سقم، ولا حزن، حتى الهمَّ يهمُّه، إلا كفَّر به من سيِّئاته"رواه البخاريُّ ومسلم.
ومع كلِّ هذا الخير، لم يكلِّف ربُّنا تعالى العبد فوق طاقته..
"خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإنَّ الله لا يملُّ حتى تملُّوا، وإنَّ أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قلّ"متَّفقٌ عليه.
وإنَّما وعده الجنَّة وما لم يكن بل ما لا يستطيع أن يحلم به..
"أعددتُّ لعبادي الصالحين، ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر"متَّفقٌ عليه.
أرتالٌ من النِعَم ظاهرةٌ وباطنة.. ورغم كلِّ ذلك.. العبد يبخل، ويقصِّر..
"هاأنتم هؤلاء تُدْعَون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنَّما يبخل عن نفسه والله الغنيُّ وأنتم الفقراء..".
غير المحتاج يتقرَّب إلى المحتاج، والمحتاج يبتعد بدلاً من أن يدنو..
أليست هي معادلةٌ عجيبةٌ غريبة؟؟!!".